لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



السبت، 15 مارس 2014

"حِكايةٌ على النافذةِ " قصة للأطفال بقلم: سريعة سليم حديد

حِكايةٌ على النافذةِ 
سريعة سليم حديد 

على سجادةٍ ناعمةٍ وضعتْ مرامُ مفرشاً صغيراً, و أجلستْ عليه أُختَها يُسرى التي بلغتْ مِنَ العمرِ ثلاث سنواتٍ, بَعد أنْ جَهَّزتْ لها وجبةً من الكعكِ المُبلَّلِ بالحليبِ.
 قائلةً: كُلي يا حبيبتي, وعندما تنتهين ستنامين.
 أليسَ كذلكَ؟ بابا وماما سيتأخَّرانِ في العملِ كعادتِهما.
 أنا وأنتِ وحدَنا في هذا البيتِ الهادئ.
 أخذتْ يُسرى تهتزُّ في جَلستِها, وهي تمضغُ طعامَها بشهيَّةٍ. تطبقُ شفتيها مُستلذَّةً بطعم ِ الكعكِ ذي الرائحةِ الطيّبةِ.
 كانتْ كلَّما انتهتْ من لقمةٍ تبكي وتضربُ على ركبتيها, فتسرعُ أختُها إلى دَفعِ لقمةٍ جديدةٍ في فمِها.
 أحسَّتْ مرامُ بالمتعةِ, وهي تُشاهِدُ أشعةَ الشَّمسِ تتسرَّبُ داخلَ الغرفةِ, وقد أضاءتْ شعرَ يُسرى المسترسلَ, فبدتْ بثوبِ نومِها الأصفر فراشةً مذهَّبةً.
 ما إن انتهتْ يُسرى من طعامِها, حتى حملَتْها مرامُ, واتجهَتْ بها نحو السريرِ.
 لكنَّ يُسرى أخذَتْ بالبكاءِ مناديةً: ماما. ماما. 
فاضطرَّتْ مرامُ إلى أنْ تسيرَ بها حتى غَفَتْ. وضعَتْها على سريرِها بهدوءٍ وحذرٍ. ألقَتْ عليها غطاءَها الصُّوفيَّ الورديَّ. ثم انسلَّتْ إلى غرفتِها.
 ما إنْ جلسَتْ على طاولةِ الدراسةِ حتى سمعَتْ أصواتَ أطفالٍ يلعبونَ الكرةَ في الشارع ِغضبَتْ. الآن تستيقظ ُأختُها. كما أنَّها بحاجةٍ إلى الهدوءِ لتفهمَ ما تقرأ. قامتْ إلى النافذةِ. فتحَتها. أطلَّتْ على الشارع ِ. مدَّتْ رأسَها نحو الخارج ِ وهي تصيحُ بالأطفال ِ أن يبتعدوا عن المكان ِ. هدَّدتْهم أنْ تُخبرَ أولياءَ أمورِهم. 
لكنَّ الأطفالَ لم يهتمُّوا لكلامِها. وتابعوا لعبهم بشغب ٍ. وكلما ارتفعَتْ أصواتَ الأطفال ِ كانَتْ مرامُ تضطربُ, وخاصةً عندما تصطدِمُ الكرةُ بجدار ِ منزلِها. فقد تستيقظ ُ أختُها, ويصعبُ عليها إسكاتها.
 صاحَتْ غاضبة ً: اذهبْ يا سامر أليس لديك دروس؟ 
ـ الآن وقتُ استراحتي.
 ـ وقتُ استراحتِك ليسَ على حسابِ أوقاتِ الآخرين. 
وأنتَ يا ماجدُ. احملْ كُرتَكَ واذهبْ حالاً.
 ـ إلى أين نذهبُ؟! الملعبُ بعيدٌ من هنا.
 ـ هذا غيرُ معقولٍ.
 أرجوكَ يا رامي أقنِعْهم بالانصرافِ.
 أنتَ مهذَّبٌ جداً والأحسن فيهم. 
ـ هيا يا أصدقاءُ لنذهبْ من هُنا.
 لكنْ لم يوافِقْه أحدٌ. 
أترَينْ! أنا لا علاقةَ لي. 
هم يُحبَّونَ اللعبَ هنا.
 شعرتْ مرامُ باليأس ِ. كلما حاوَرَتْهم ازدادوا عِناداً. لقد مضى الوقتُ سريعاً فإذا استيقظتْ أختُها يعني لا دراسةَ أبداً. 
شردَتْ قليلاً.
 لِمَ لا أفكرُ بطريقةٍ سليمةٍ, أُدخِلُ فيها الفائدةَ والمتعة َ إلى قلوبـِهم وأحرِّكُ فضولـَهم للاستماع ِ إليَّ بهذا أصلُ إلى غايتي. ضربَتْ بقبضتـِها على رُخام ِ النافذة ِ. وهي تصيحُ أيها الأطفال اقتربوا. أريدُ أنْ أقولَ لكم شيئاً.
 بسرعةٍ تجمَّعَ الأطفالُ تحتَ النافذة ِ, وهم يمدُّونَ أعناقـَهم نحوَ مرام.
 قالتْ: ما رأيُكم أنْ أحكيَ لكم حكاية ًجميلة ً؟ 
اندفعَتْ أصواتُهم متفرِّقة ً:نَعَمْ .نَعَمْ.
 ـ بشرطٍ واحدٍ . 
ضَحِِكوا وهم يقولونَ معها, ويهزُّونَ رؤوسَهم: أنْ نذهبَ مِنْ هُنا؟
 ـ هذا صحيحٌ .ولكنْ بعدَ انتهاءِ الحكايةِ فوراً. اسمعُوا. سأحكي لكم قصة ً مشهورة ً بعنوان ِ( دائرةُ الطباشير): في إحدى القـُرى كانَ هناك قاض ٍ مشهورٌ بالحكمةِ يجلسُ في غرفةِ القضاء ِ, فإذا بامرأتين ِتدخلان ِ إليهِ. إحداهُما تحملُ طفلا ً يبكي. وقدْ تعالتْْ أصواتـُهنَّ بالخلافِ حولـَهُ. قالَ القاضي: ما الأمرُ؟ قالتْ إحداهُما: هَذا الطفلُ طِفلي وأنا والدتُهُ.انظرْ كَمْ هو متعلـِّقٌ بي! قالتِ الأخرى هَذا غيرُ صحيح ٍ,أنَا ولدتـُه وربيتـُهُ, وتعبْتُ عليهِ. بأيِّ حَق ٍ ستأخُذُهُ منـِّي؟!
 علـَّقَ أحدُ الأطفَال ِ: مسألة ٌ صعبة ٌ.
 قالَ آخرٌ: بلْ معقـَّدَة ٌ.
 تابعَتْ مرامُ: قامَ القاضي ورَسَمَ دائرة ً بالطـَّبشور. وأمرَ الطفلَ أنْ يَقِفَ في وَسَطِها. كما أمَر الامرأتين أنْ تـُمْسِـكَ كـُلُ واحدة ٍ يدَ طفلِها وتجذبَهُ نَحوَها. وَمَنْ تنجحْ في إخراجـِهِ مِنْ داخل ِ الدائرة ِ فسوفَ يكونُ الطفلُ لها.
 قالُ وليد: ما أتعسَ هَذا الطفلُ ! 
قالَ رامي: سيتألـَّمُ كثيراً.
 تابعَتْ مرامُ وهي تمسَحُ جبينَها قائلة ً: اسمعُوا بقيَّة َ الحكاية ِ: لاحِظوا كَمْ كَانَ هَذا القاضي ذكيَّاً في معرفةِ الحقيقةِ! 
وَقَفَ الطفلُ وَسَط َ الدائرةِ, وفَتَحَ ذراعَيهِ. ثـُمَّ أمسكتْ كلُّ امرأةٍ بيدٍ. الأمُّ الكاذبة ُ أخذَتْ تشدُّهُ بقوَّةٍ نحوَها, أمَّا الأمُّ الحقيقية ُ فلمْ يقسُ قلبُهَا على جذبـِهِ. وعندَمَا أفلتـَتـْهُ. حَكَمَ القاضي بالطفل ِ لها, وأعطاهَا إياهُ.
 قالَ حسنٌ: ما أروعَ حُكْمَ هَذا القاضي !
 قالَ نادرٌ: مَا أقسى الأمَّ المُدَّعِيَة!
 قالَ رامي: أنا مُعْجَبٌ بعاطِفَةِ الحُبِّ القويَّةِ عِندَ الأمِّ الحقيقيَّةِ. 
قالَ رشادٌ: أنا حزنْتُ على الأمِّ المدَّعِيَةِ.
 من المحتمل ِ أنَّها لا تَملِكُ أطفالا ً. 
قالَ جمالٌ: ولكنْ لا يَحِقُّ لها امتلاكَ أطفال ِ الآخرينَ.
 قالَ وافي: مِنَ أيْنَ لـَكِ هَذهِ الحكايةِ الرائعةِ؟ 
قالتْ مرامُ: اقرؤُوا في الكتبِ تجدوا الكثيرَ من القِصَص ِ الجميلةِ.
 قالَ نادرٌ: كلَّ يوم ٍ سنأتي إلى هُنا لتحكيَ لنا حكاية ً.
 قالتْ مرامُ: بشرط ِ ألا تعودوا لِلـَعبِ قربَ بيتِنَا. 
لوَّحَ الأطفالُ لـَها مُودِّعينَ, وما زالـَتْ نفوسُهم مُتَأثـِّرَة ً بالقصَّة ِ. أمَّـا مرامُ فقدْ أغلقت ِالنافذة َ, وكانتْ أشعـَّة ُ الشمس ِ ما زالتْ تتسرَّبُ إلى طاولةِ الدراسةِ ببطء ٍ.

ليست هناك تعليقات: