لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



السبت، 8 مارس 2014

"أحلام والقارب المغناطيسى " قصة للأطفال بقلم: عبد الرحمن بكر


عادَ الأبُ من عَملهِ سعيداً فوقَ العادةِ ... وأخذَ يُنادى عَلى أَحْلام .. التى كانتْ تَنتظرُ مجِيئَه فى قلقٍ شديدٍ فاليَوم هُو يومُ نتيجةِ نصفِ العامِ ... قَفزتْ أحلامُ بينَ أحضانِ أبيهَا فى فرحٍ شديدٍ عندمَا أخرجَ الشهادةَ منْ جيبهِ وقالَ بهُدوئهِ المُعتادِ: مَبروك يَا أحْلام .. لَقد نَجحتِ بتفوقٍ.
 فتحَ الأبُ حقيبةَ يدهِ وأخرجَ لفّةً صغيرةً وقالَ: لقدْ أحضرتُ لكِ هديةً صغيرةً ولكنْ يجبُ أنْ نلعبَها معاً .. أحْضرِى بسُرعةٍ إناءً كبيرًا منَ الماءِ.
 فتدخلتِ الأمُّ قائلةً: وأنَا هلْ سَألعبُ معكُم؟ 
فضحكَ الأبُ وقالَ: بالطبعِ يَا زوجَتى العزيزةِ وَلكنْ بعدَ أنْ تعدّى لنَا أشْهى طعامٍ.
 كانتْ أحلامُ فى شوقٍ كبيرٍ لمَعرفةِ مَاذا فى هذهِ اللفافةِ الصّغيرةِ ومَا هى مُفاجأةُ أبيهَا. 
فتحَ الأبُ هديتَهُ بهدوءٍ وهوَ يُتابِعُ عَينى أحلامٍ التى لمْ تُفارقْ يدَيه وقدْ ظهرَ عليهَا شوقٌ وفضولٌ رهيبٌ .. أخرجَ الأبُ منَ اللفافةِ الصّغيرةِ قاربًا جَميلاً فَصرختْ أحلامُ بفرحةٍ شَديدةٍ: أنَا أحبُّ القواربَ .. يَا لهَا منْ هديةٍ رائعةٍ .. 
 كانَ القاربُ عبارةً عنْ قطعةٍ منَ الخشبِ المُزخرفِ .. وفوقَها قطعةُ حديدٍ صغيرةٍ عَلى شكلِ حدوةِ حصَانٍ .. مربوطٌ بهَا شراعٌ رائعُ الجَمالِ.
 وضعَ الأبُ القاربَ فى الماءِ .. وهوَ يقولُ: هيّا بنَا الآنَ سنلعبُ لُعبةَ القاربِ الهاربِ.
 ضحكتْ أحلامُ .. وقالتْ: وكيفَ سَيهربُ القاربُ يَا أبِى.
 هَل سَنضربُه؟ .. فيهربُ خَوفاً.
 لكنّ الأبَ أخرجَ منْ جيبهِ قطْعةَ حديدٍ صغيرةٍ علَى شكْلِ حدوةِ حصانٍ أيضاً. وقرّب طرفَها منَ المركبِ فهربَ المركبُ وابْتعدَ.. فَرحتْ أحلامُ وقالتْ: لقدْ هربَ .. هربَ فعلاً .. إنكَ ساحرٌ يَا أبِى. كيفَ فَعلتهَا؟. 
 لمْ يُجب الأبُ ولكنّه أخذَ يقرّبُ قطعةَ الحديدِ منَ المركبِ، والمركبُ يبتعدُ فَوراً فى الماءِ. 
 وقالتْ أحلامُ: وهى تتشبّثُ بيدِ أبيهَا: أعْطنِى أجرْبُ .. أريدُ أنْ أفعلَ مِثلكَ .. سَأجعلهُ يهربُ .. 
فأَعطاهَا الأبُ قطعةَ الحديدِ بحيثُ يكُونَ فى يدِها الطرفُ الذى كانَ يطاردُ بهِ القاربَ والطرفُ الآخرُ هو الذى فى الهَواء.
 قَرّبتْ أحلامُ الطرفَ الآخرَ منْ قطعةِ الحديدِ نحوَ القاربِ وهى تصرخُ .. هيّا .. أيُّها الجبانُ اهربْ اهربْ.
 لكنَّ القاربَ لمْ يهربْ بَل انْدفعَ نحوَ يدِها بشدّةٍ والتصَقَ بِقطعةِ الحديدِ.
 أخذَ الأبُ يضحكُ وأحلامُ كادتْ تَبكى .. مَاذَا حَدث؟ لِماذا لاَ يهربْ؟.. إنَّه لمْ يَخَفْ منهَا. 
 ونظرتْ بحُزنٍ نحوَ أبيهَا الذى لمْ يشأْ أنْ تطولَ حيرتُها .. فقالَ لهَا مُداعباً: لاَ تتعجّبِى يَا ابْنتى إنَّها المِغْناطيسيَّة .. تَعالى معِى وسَتفهمينَ كلَّ شىءٍ.
 دَخلَ الأبُ المكتبةَ وأحضرَ كِتابًا كَبيرًا .. وفتحهُ وأخذَ يقلبُ صفحاتِهِ .. حتَّى وَصَلَ إلَى بابٍ يُسمّى المِغْناطِيسيّة ثمّ التفتَ نحوَ ابنَتِه وقَال: منذُ آلافِ السنينَ اكتشفَ الإنسانُ المِغناطيسَ، وأولُ منْ اكتشفَهُ أحدُ الرعاةِ اليونانيونَ، وكانَ اسمهُ مَاغنسْيو ولقَد عرفَ اليونانيونَ بالصدفةِ قدرةَ حجرِ المِغناطيسِ عَلى جَذبِ قطعِ الحديدِ إليهِ. 
 وهذَا الحجرُ هوَ أحدُ خَاماتِ الحديدِ ويُعرفُ باسمِ "مَجناتيتْ" ويُطلقْ اسمُ "مِغْناطيس" عَلى كلّ مادةٍ تستطيعُ التقاطَ الحَديدِ .. وتُسمى هذهِ القدرةُ العجيبةُ بالمِغناطيسيّة وتُصنعُ المِغناطيسَات بأشكالٍ مُختلفةٍ .. ولكنّها غَالباً ما تكُونُ عَلى شكلِ قضيبٍ حديدىٍّ .. أو حِدوةِ حصانٍ مثلَ هذهِ التى هربَ منهَا القاربُ. 
 والعجيبُ يَا ابْنتى أنّ أَطرافَ المِغْناطِيس تكونُ المِغْناطيسيةُ فيهَا أَشدّ منْ بَاقى أجْزاءِ المِغْناطيسِ .. فإذَا وَضعْنا بعضَ برادةِ الحديدِ وقرّبنا المِغْناطيسَ منهَا فسوفَ تنجذبُ برادةُ الحَديدِ وتَلتصقُ فى الطرفينِ بشدّةٍ.. أمّا بَاقى الأجْزاءِ فيكونُ الالتصاقُ قليلاً.
 تَعجبتْ أحلامُ منْ ذلكَ المِغْناطيسِ العجيبِ وتَساءلتْ: ولكنْ قُل لى يَا أبِى .. كيفَ يستفيدُ الإنسانُ منْ هذَا المِغْناطيسِ .. ولمَاذا خلقهُ اللهُ .. فإنَّ اللهَ كمَا قلتَ لمْ يَخلقْ شَيئاً هَباءًا وإنَّما خلقَ كلَّ شىءٍ بحكْمةٍ يَعلمُها سُبحانهُ وتَعالى. 
 صفَّقَ الأبُ لهَا فى سَعادةٍ وقَال: فِعلاً يَا بُنيتى إنَّ اللهَ لمْ يخلقْ شيئًا إلاّ ولهُ فَائدةٌ .. انظرِى يَا ابْنتى إلَى هَذا القَضيبِ المِغْناطِيسى .. لَو علّقناهُ منْ مُنتصفِهِ فالطبِيعىُّ أنْ يكونَ مُتزنًا ولاَ يميلُ إلى أىِّ كفَّةٍ .. ولكنْ فى المِغْناطيسِ كلُّ شىءٍ مُختلفٌ .. فإنَّهُ يميلُ دَائِماً نحوَ الشمالِ. 
 وقدْ اسْتفادَ الإنسانُ منْ هذهِ الظَّاهرةِ العَجيبةِ فى صِناعَةِ البُوصلةِ.. فالبُوصلةُ هىَ أولُ اسْتخدامٍ عَملىٍّ للمغْناطيسِ .. لكى تُساعدَ فى مَعرفةِ الاتجَاهاتِ .. وقدِ اعْتمدَ العلماءُ فى ذَلكَ علَى نظريةِ أنَّ للأرْضِ مَجالاً مغْناطيسيّاً وأنَّها تُعتبرُ قَضيبًا مغْناطيسيًا ضَخمًا. 
فأىُّ مِغْناطيسٍ مُعلّقٌ فى مَجالِ المغناطيسِ الأرضىِّ سينحرفُ تجاهَ مجالهِ. وَإبرةُ البُوصلةِ هىَ الدليلُ عَلى ذلكَ لأنَّها مِغْناطيسٌ صَغيرٌ يتخذُ باسْتمرارٍ اتجاهَ الشمَالِ. 
 وهذَا يُفيدُ البحّارةَ دومًا فى البحَارِ لمَعرفةِ الأماكنِ التى همْ فيهَا ولتحريكِ سُفُنهِم فى عرضِ البحْرِ بحيثُ يعرفونَ دِائمًا اتجاهَ الشمَالِ.
 قَالتْ أحلامُ: ولكنْ أَلا يُوجدْ أشياءٌ أُخرى يمكنُ للمغنَاطيسِ أنْ يفعلَها؟ 
 فتحَ الأبُ الدرجَ وأخرجَ بعضَ المَساميرِ والأخْشابِ الصغيرةِ وقطعًا منَ البِلاستيكْ .. وخَلَطهمْ .. ثمَّ قرَّب المِغناطيسَ مِنهُم فانجَذبَ إليهِ المَساميرُ فقطْ.
 فقالَ الأبُ لأحْلامٍ: انظرِى إنّه لاَ يجذبُ شيئًا سوَى الحديدِ لذلكَ فإنَّ النجَّارَ يبحثُ بهِ عنِ المساميرِ وسطَ نشَارةِ الخشبِ مثَلاً كمَا أنَّ المغناطيسَ يفعلُ أشياءً عجيبةً .. فبِاستطاعتهِ أنْ يجذبَ مِغنَاطيسًا آخرَ، أو جذبِ المَساميرِ والدبَابيسِ منْ بُعدٍ .. ويستطيعُ المغناطيسُ أنْ يقودَ ويحرّكَ مغناطيسًا آخرَ إذَا وَضعنَا بينهُما لَوحًا منَ الزجَاجِ أو الكَرتونِ فكُلما حَرَّكتى أحدهُما تبعَهُ الآخرُ .. لذلكَ يصْنعونَ منهُ أنواعًا كثيرةً جدَّا منْ لعبِ الأطْفالِ. وأهمُّ شىءٍ يجبُ أنْ تَعرفيهِ أنّ لكلِّ مِغناطيسٍ قطبٌ شمالىٌّ وقطبٌ جنوبىٌّ. يجذبُ كلَّ قطبٍ إليهِ الأشْياءَ الحدِيديةَ والفولاذِيةَ. كمَا ينجذبُ القطبُ نفسهُ إلى قطبٍ مغناطيسىٍّ آخَر. لكنْ يجِب أنْ يكونَ أحدهُما قُطبًا شَماليًا والآخرُ جَنوبيًا عندَ ذلكَ يلتصقُ الاثنانِ معًا، أمَّا إذَا وضعنَا قطبينِ شماليينِ أو جنوبيينِ معَ بَعضِهما البعْض دفعَ كلُّ قطبٍ الآخرَ بعيدًا عنهُ.
 هنَا قامتْ أحلامٌ وهىَ تصرخُ فى فرحٍ: لقدْ عرفتُ الآنَ لمَاذا كانَ المغناطيسُ يهربُ منكَ.. لقدْ كنتَ تقرِّبُ القطبَ الجنوبىَّ منَ المغناطيسِ الذى كانَ بيدكَ منَ القطبِ الجنوبىِّ منَ المغناطيسِ الذى فوقَ القاربِ فَيتنافَرا.. ويهربُ القاربُ.. وعِندمَا أعْطيتنى المغناطيسَ جَعلتنى أمْسكهُ منَ القطبِ الجنوبىِّ.. ليكونَ القطبُ الشمَال هوَ الذى سَأُوجههُ نحوَ القطبِ الجنوبىِّ فالْتصقَ القاربُ بالمغْناطيسِ .. أليسَ كذلكَ يَا أبى؟!.
 صفّقَ لهَا الأَبُ فى سَعَادةٍ وقَالَ: أحسنتِ يَا أحلامُ .. أنتِ الآنَ تَسْتطيعينَ قيادةَ القاربِ الهَاربِ.
 فقالتْ أحلامُ: ولكنْ يَا أبى كيفَ سَأسيرُ فى البحْرِ بقَاربى وأنَا لاَ أملكُ بُوصلةً .. هَلْ يُمكننى أنْ أصنعَ بُوصلةً؟.
 فقالَ الأَبُ .. هيّا بِنَا سَأَجْعَلكِ تصنعِينَ بُوصلةً. 
 أولاً سنحتاجُ إلى قطعةِ كرتونٍ عَلى شكْلِ دائرةٍ .. وقطعةِ خشبٍ مربعةٍ .. بنفسِ حَجمِ قطعةِ الورقِ لكَى نُثبتها عليهَا.
 والآنَ هيّا يَا أحلامُ.. ارسُمى بالمسطَرةِ خطَّينِ مُتقاطعَينِ فى مَركزِ الدّائرةِ نكتبُ عليهِمَا الشمَالَ والجنوبَ والشرقَ والغربَ.
 قالتْ أحلامُ: لقدْ فهمتُ .. سألصقُ قطعةَ الكرتونِ علَى الخشبِ وأضعُ المِغناطيسَ فوقَ قطعةِ الكرتونِ.
 فقالَ الأبُ .. ولكنْ يجِب أنْ يكونَ قطبُهُ الشمالىُّ عَلى كلمةِ جنُوب. 
والآنَ نضعُ الخشبَ عَلى سطحِ المَاءِ فى الوعَاءِ ونتركُهُ يعومُ. 
 والآنَ انظرِى .. إنّ كلمةَ شمالٍ دائمًا ستكونُ فى اتجاهِ الشمَالِ.
 ولكنْ يَا بُنيتِى منَ الطبيعىِّ أنْ يكونَ هُناكَ بعضُ الأخْطاءِ التى تَداركهَا العُلَمَاءُ وتعلّمَها البحَّارونَ. فالبُوصلةِ .. تتجهُ دائمًا نحوَ القطبِ الشمالىِّ المغْناطيسىِّ وهذَا يَبعدُ عنِ القطبِ الشمالىِّ الصحيحِ جُغرافيًا بكثيرٍ .. لذلكَ فقدْ تعلّم البحارةُ أنْ يُجروا بعضَ التصحيحَاتِ عَلى مَا تُشيرُ إليهِ البُوصلةُ ليتدارَكُوا الانحرافَ فى اتجاهِ البُوصلةِ.
 وفى بعضِ الأمَاكنِ يَا بُنيتى تَحدثُ بعضَ الأخْطاءِ فى قِراءةِ الإبرةِ المغْناطيسيةِ .. لوجودِ خَاماتِ الحديدِ فى طَبقاتِ الأرضِ .. أو لوجُودِ قطعةٍ فولاذيةٍ ضخمةٍ عَلى مَقربةٍ منْها.
 ولكنْ كلَّها أخْطَاء تعلَّمهَا البحَارةُ منْ خِلالِ تَجاربِهمْ فى البَحرِ. 
 هُنا قامتْ أحلامُ منْ مَكانِها وهىَ تُمسكُ بيدِ أبيهَا وتقولُ: والآنَ يا أبى يجبُ أنْ أجرِّبَ أنا أيضًا تجْربتِى فى البحْرِ .. يجبُ أنْ يهربَ منِّى هَذا القاربُ .. 
خرجَ الأبُ والابنةُ إلى الصّالةِ .. فوجَدا الأمَّ تُحاولُ أنْ تخلعَ المِغناطيسَ منَ القاربِ وقدْ أخطأتْ هىَ الأُخرى ولمْ يفرّ منْها القاربُ .. ضَحكتْ أحلامُ .. وقالتْ لأمِّها .. دَعِى القيادةَ لى فقدْ تخرّجتُ منْ مَدرسةِ المِغناطيسيةِ الآنْ.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

جميله ومفيده شكرا لكم