لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأربعاء، 18 فبراير 2015

"الكلمات تسافر وحدها " قصة للأطفال بقلم: خير الدين عبيد



الكلمات تسافر وحدها


باعد الكاتب بين سبّابته وإبهامه، تاركاً الظرف ذا الطّابع الملوّن يسقط داخل صندوق البريد الأحمر.‏
كان الظّلام دامساً داخل الصّندوق، حتّى أنّ الظّرف نسي وجعه بسبب سقوطه، وراح ينظر حوله خائفاً.‏
ورويداً.. رويداً، بدأ يرى ما حوله، نتيجة لتسلّل حزمة ضوئيّة من فتحة الصّندوق الضّيقة، فقد اكتشف أنّه ليس وحيداً، وإنّما يستلقي بجواره عشرات الظّروف.‏
شعر الظّرف بالسّعادة، وأحبّ أن يتعرّف على أصدقائه لكن.. وقبل أن يسلّم على أحد، أحسّ بمغص، ففطن إلى أنّ جوّ الصّندوق بارد، وربّما كان ذلك هو السّبب.‏
والحقيقة.. أنّ المغص لم يكن بسبب برودة الطّقس، وإنّما بسبب الخلاف النّاشئ بين الكلمات والأرقام على الأوراق السّت الموجودة داخل الظّرف.‏
وإليكم ما حدث بالضّبط...‏
كانت الأوراق السّت تتضمّن قصصاً قصيرة، وفي أسفل كلّ ورقة رقم يدلّ عليها، لكنّ الكلمات انزعجن من الأرقام، وقلن لها غاضبات:‏
-غريب.. كيف ترضُون على أنفسكن أن يجلس كلّ رقم بمفرده وسط مئات الكلمات!؟ أجبن.. ألا تستحين؟‏
انكمشت الأرقام على نفسها، قالت:‏
-نحن لسنا ثقيلي دم، حتّى نجلس معكن بلا سبب.‏
-وما السّبب؟ تفضّلن أوضحن.‏
-السبب هو ترتيب الأوراق حتّى لا يختلط بعضها ببعض، فلا تعرف الأولى من الثّانية.‏
-ها.. ها، وتتفلسفن أيضاً، اسمعن.. نحن نرتّب أنفسنا بأنفسنا دون حاجة لحضرتكن.‏
-لا تغلطن في حقّنا، صحيح أنّ الأوراق ملأى بالكلمات، لكن الأرقام مهمّة، وكما يقول المثل: الحصاة تسند الجرّة.‏
-ما شاء اللّه، وتضربن الأمثال! هيّا.. اخرجن من غير مطرود فلا يمكننا السّفر معكن.‏
وعبثاً حاولت الأرقام إقناع الكلمات، ونظراً لقلّة عدد الأرقام، وكثرة عدد الكلمات، فقد استطاعت الأخيرات دفع الأرقام، وإخراجها من إحدى زوايا الظرف الّتي لم تلصق جيّداً.‏
لم يطل سفر الظرف أكثر من أيّام، فقد رُدّ إلى مركز البريد محتوياً ورقة إضافيّة، كتب عليها:‏
الكاتب العزيز‏
نرجو أن ترقّم الأوراق، كي نستطيع قراءتها بالتّرتيب وتبعثها من جديد مع جزيل الشّكر.‏
في اليوم التّالي.. كان الظّرف ذو الطّابع الملوّن يستلقي سعيداً داخل صندوق البريد الأحمر، يكلّم أصدقاءه، يتعرّف منهم على وجهة سفرهم، وبالطّبع لم يشعر هذه المرّة بالمغص، فقد كانت الكلمات تحكي لأصدقائها الأرقام، قصّة سفرها الأولى.‏

ليست هناك تعليقات: