لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأربعاء، 29 أبريل 2015

"ليلة طويلة في غابة النحل" قصة مترجمة للأطفال بقلم: إدنا ماريسا ميري آبندا ترجمة روضة السالمي

ليلة طويلة في غابة النحل
إدنا ماريسا ميري آبندا – الغابون 
ترجمة: روضة السالمي - تونس
 
تتكاسل النجوم عن اللمعان أحيانا ، فيحزن القمر، ويقترب الليل بهدوء.
وبصوت خافت، يطلب القمر من البوم الواقف على غصن أن يقصّ عليه حكاية. فيتقمّص البوم حينها دور الراوي كي يسعد صديقه. مثلما حدث هذه الليلة. فأنصتوا إليه وهو يحكي له هذه الخرافة:
حدث ذلك منذ وقت بعيد.
حدث هرج في غابة النحل.
لقد نظّم كالي، القرد العظيم، اجتماعا مهمّا.
وإليكم ما قاله:
" أيتها القرود، أصدقائي القرود. لقد مرّت الأقمار تباعا. وتقدّمت في السنّ. ولذلك فقد قرّرت التنحي عن العرش".
"أوه!" صاحت بقيّة القردة. "لقد مرّ الوقت بسرعة!".
"أجل يا أصحابي. لقد مضت السنوات وأنا أحكمكم، وأعتقد أنه حان الوقت كي أتقاعد قبل أن يصيبني الخرف".
"أوه!" صاحت بقيّة القردة. "هل أنت واثق من صواب قرارك؟ ما نكنّه إليك من احترام لم يتبدّل، أيها القرد العظيم، ونحن نعرف أنك أبدا لن تأخذنا إلى المهالك. "
"القرود، أصدقائي القرود الأعزاء، يجب أن نعرف كيف ننسحب بكرامة. لا تلوموني".
"أوه!" كالي العظيم، نحن نتفهّمك ونوافق على استقالتك".
"حسن، لقد جمعتكم لأعلن إليكم عزمي على ترشيح من يعوّضني".
"آه! من هو أيها العظيم كالي؟ هل نعرفه؟"
"شخصيا أنا أكنّ له الكثير من الإعجاب".
"آه، أيها القرد العظيم! أخبرنا كلّ شيء."
"إنها البزّاقة لوسي".
"كلا!"
في أحد الأركان وشوش لارسن قرد الوستيتي الصغير: "يبدو أن عقل عزيزنا كالي قد فقد بوصلته حقا".
صاحت بقية القرود: "هل يعقل هذا! لوسي؟ ولكنها بزّاقة!"
"وهي صديقة مفضلة لديّ" أجاب كالي، "لوسي هي مخلوق ذكي، ولديها بصيرة نافذة".
"أيها القرد العظيم، مع فائق احترامنا، من الأفضل أن تخلد إلى النوم".
أعلن إيسوبي الأورانج الأوتان متوجها إلى جميع القرود: "أعتقد أننا جميعا نحتاج إلى النوم هذه الليلة. أعتقد أن كالي قائدنا المحترم، مثلنا جميعا، قد تأثر بموت الرقيقة الناعمة لونا. السلام على روحها، أيها العزيز كالي! إننا نفتقدها بشدّة".
ترك القرد الكبير دمعته تنساب. كانت لونا ابنته الوحيدة، بؤبؤ عينيه، شمسه، مذاق السكّر في موزه. كان يحبها أكثر من أي شيء آخر. للأسف، ذات ليلة، في ركضها الغاضب، ضربت الرياح بسياطها وجه الجميلة لونا. فسقطت على الأرض وأغلقت عينيها إلى الأبد. وبعد رحيلها بواحد وعشرين قمرا، مازالت غابة النحل تبكيها.
"أصدقائي، أصدقائي القرود الأعزاء،" تدخّل إيسوبي، "لدينا الليل بطوله لنهدئ من روعنا. غدا سيكون بمقدورنا فهم دوافع قائدنا العظيم كالي. أقترح أن نخلد جميعا إلى النوم. غدا صباحا، سنلتقي في نفس هذا المكان، بذهن صاف. ليلة سعيدة للجميع".
تفرّق قطيع القردة في صمت. ذهب كالي كبير القردة إلى مهجعه. وغنّت النجوم برقّة بالغة لتهدهد نوم القردة.
ضمن تلك المجموعة، كان هنالك من لا ينام، إنه ووليا، أذكى شيمبانزي في القطيع. بالنسبة إليه تحتاج البزّاقة إلى قبضة من حديد لتقود القطيع. لذلك علينا أن نعذره إن لم يشعر بالنعاس. الوقت عصيب كي يمكن أن يغمض له جفن. "سأقوم بجولة على حافة البركة بحثا عن هذه البزّاقة الشهيرة. أرغب أن تثبت لي ذكائها الخارق. لن يغمض لي جفن ما لم تبهرني".
وهكذا، وقفزا من غصن إلى آخر، وصل ووليا إلى أطرف الغابة. في هذا المكان تركت العاصفة آثارها في شكل بركة من الوحل.
"أنا أبحث عن الجميلة لوسي، أبحث عن العظيمة لوسي. لقد سمعت عنها من كالي القرد الكبير. أنا هنا لألقاها وأهنئها على شجاعتها. هل تعرفون أين يمكن أن تكون لوسي؟".
توقّف ووليا هنيهة ليلتقط أنفاسه. كان عليه أن يتملّقها حتى تتلطّف وتخرج إليه.
"أما من أحد! هل تعرفون أين يمكنني أن أجد العظيمة لوسي؟" كرّر ووليا المحاولة.
"صه، واقترب."
وشوش صوت قادم من عشب عطّره طلّ المساء. انحنى ووليا ليصغي إلى ليلي اليراعة. التي أعلمته بأنّ البزّاقة لوسي مختبئة.
"لقد بلغنا صدى الاجتماع، وعلمنا أن، غدا، ستكون حياة لوسي مهدّدة."، قالت اليراعة.
استقام ووليا، وهو محكم قبضته. واستغرب: "أيعقل أن تكون في خطر!" حينها واصلت اليراعة: "لقد أبلغنا الصدى بأن العظيم كالي جعل من لوسي خليفته. قلّ لي أي قرد (وأنتم الحيوانات الذكية) تقبل أن تحكمها بزّاقة؟ قلّ لي. لوسي تعرف أن منكم من يرغب في التخلّص منها. ذلك ما جعل بزّاقتنا (وهي صديقة الجميع هنا) تقرّر الاختباء. لا يمكنني أن أخبرك المزيد. إلى اللقاء أيها القرد العزيز. أنا أستلطفك."
"تصبحين على خير أيتها اليراعة العزيزة. وأنا أجدك جميلة جدا." وهكذا واصل ووليا طريقة.
ومن ثمة التقى سكار الحلزون، وهو صديق قديم للبزّاقة لوسي.
"مساؤك خير، أيها القرد. ماذا تفعل في الأرجاء؟ ألم يعد هنالك موز في منطقتك الخاصة؟"، قال سكار بضحكة صفراء.
"كفى مزاحا، أيها الصديق سكار"، قال ووليا. "أنا في مهمّة خاصة."
حدجه سكار بنظرة حذرة. "أعذرني، ولكن أعتقد أنني لن أفيدك في شيء. فأنا لا أعرف لا من قريب ولا من بعيد البزّاقة لوسي. إلى اللقاء." واختفى سكار في قوقعته.
اقترب منه ووليا ورجّه: "لا تختبئ. الجميع يعرف أن الحلزونات والبزّاقات أبناء عمومة. أخرج من عندك، أيها الجبان."
"ها قد قلت ذلك بالفعل. لوسي هي صديقتي. وأعرف أنكم، أنتم الثدييات الكبيرة في هذا المكان، تريدون إيذائها. حتى تحت التعذيب، لن أقول بأنها تختبئ تحت هذه الصخرة البيضاء." قال سكار.
ابتسم ووليا، وترك سكار يرتعد داخل قوقعته. واقترب من الصخرة البيضاء الشهيرة. وأدرك أن لوسي اختبأت تحت ورقة ميتة. نفخ ووليا على الورقة التي طارت.
"إذن لوسي! أخبريني كلّ شيء. ما المميّز فيك حتى تخطر على بال العظيم كالي، وهو الذكي عادة، هذه الفكرة الحمقاء لجعلك خليفته على العرش؟"
دافعت البزاقة لوسي عن نفسها:"لم أطلب شيئا. أرغب في النوم. دعني وشأني."
أرادت أن تنام ولكن ووليا منعها من ذلك بنفخه على قرونها. "آسف على سلوكي البغيض"، قال القرد "ولكنني عاهدت نفسي على معرفة سرّك قبل مجيء النهار".
"عن أي سرّ تتحدّث؟"
"يجب أن يكون لديك سرّ ما ليفقد كالي رشده ليرى أن مخلوقا مثلك جدير بحكم قطيع القردة. هيا لوسي، تكلّمي. أنا أصغي إليك".
"أيها القرد، صديقي القرد العزيز. قائدكم كالي جاء لزيارتي. نحن صديقان منذ وقت طويل. عرض عليّ اقتراحه. ولم أجد الشجاعة لأرفض. غدا سأكون قائدة على قطيعكم. يجب أن تعتاد هذه الفكرة. تصبح على خير".
بقي القرد صامتا أمام هذه الفصاحة. ولكنه رفض أن يهزم. نفخ مجدّدا على البزّاقة حتى سعلت.
"هل يمكنني أن أنام؟" صاحت البزّاقة.
"كلا." أجاب ووليا "أعطني السبب الذي جعل من كالي قائدنا العظيم يضع فيك هذا القدر من الثقة."
بصراحة انزعجت لوسي.
"أنت لا تؤثرين فيّ البتة"، قال لها ووليا. "هل تتكلّمين أم أدعسك".
"كلا، أنت لا تعني ذلك حقّا!"، حاولت لوسي. "قرد كبير وجميل مثلك، يلوّث قوائمه بأحشاء بزّاقة!"
لاحظ ووليا بأن لوسي على قدر من الفطنة. وهي على حقّ. لم يكن يرغب في تلويث قوائمه. لبث صامتا برهة، ثم قال: "لن تحكمي قطيع القرود أبدا، وأنت تعرفين ذلك. أيّ قرد يرغب في أن تحكمه بزّاقة دبقة، بطيئة ومثيرة للاشمئزاز؟".
دون أن تتأثّر بما سمعته، قالت لوسي البزّاقة لووليا القرد: "عزيزي القرد، أنت تضجرني. تصبح على خير".
"بزّاقة، أيتها البزّاقة العزيزة، أخبريني كلّ شيء. هل ألقيت تعويذة على كالي؟"
"ثمّ ماذا؟ أليس لديّ شيء آخر لأفعله. اعلم أنني أبدا لا أستعمل هذه الوسائل".
"إذن، أخبريني كلّ شيء." أصرّ القرد.
سعلت البزّاقة قبل أن تبدأ:
"لقد تراهنت مع قائدكم كالي. وخسر. وبما أنه قرد عظيم ومحترم، فقد تخلى لي عن عرشه مثلما اتفقنا، لأنه يعرف أنني أذكى مما يعتقد الجميع."
اندهش ووليا. كيف استطاع قرد مثل كالي أن يتراهن على شيء مهمّ مثل العرش.
"وعلى ماذا تراهنتما؟ هيا أخبريني، لوسي".
"لقد سخر مني العظيم كالي، في أحد الأيام البعيدة. أخبرته بأنني سأبني لنفسي منزلا. فأجابني بأنني لشدّة بطئي فلن يكون لي سقف أبدا."
"وماذا بعد؟"، حثّها ووليا نافذ الصبر.
"فقلت له في التأنّي السلامة، وفي العجلة الندامة. وبنيت بيتي. اندهش العظيم كالي من إصراري، وصبري، ورباطة جأشي. وهو يعتقد بأن قطيع القردة يفتقد أحيانا إلى مثل هذه الصفات."
"أنت تهذين. أبدا لن يظهر القائد العظيم كالي مثل هذه الحماقة. إنه يكنّ عظيم التقدير لكلّ أصناف الكائنات." قال ووليا.
"ومع ذلك فقد سخر مني. كان ذلك منذ زمن بعيد. ابتهج، لأنني غدا سأكون ملكة في بلادك. تصبح على خير."
ستكون هذه الليلة أطول ليلة في حياة ووليا الشمبانزي القصيرة. في نومه كان يسمع ضحكات لوسي البزّاقة. يتخيّلها تهزأ من القرود الأغبياء الذين يتركون بزّاقة تحكمهم. كانت ضحكتها قوية إلى درجة جعلت ووليا المسكين يصرخ بكل ّقوته: "لا، لا يمكن!"
-        وماذا بعد! سأل القمر بصبر نافذ يريد أن يعرف نهاية القصة.
ابتسم البوم وقال :" لقد حلم ووليا بهذه القصّة. كان ذلك كابوسا. لم تصبح البزّاقة قائدة على قطيع القردة. ولكن ذلك كان درسا مفيدا للشمبانزي. فمنذ تلك الليلة، تعلّم ووليا أن يحترم الكائنات مهما كان صغيرة الحجم، ولا يستعمل قوته اعتباطيا فقط لأنه أكبر حجما".
 

ليست هناك تعليقات: