لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الجمعة، 10 أبريل 2015

"الذئاب لا تغرد" قصة للأطفال بقلم: د.صلاح إبراهيم

الذئاب لا تغرد

د.صلاح إبراهيم

مع إطلالة كل فجر جميل يغرد بلبل بصوته الرخيم على غصن شجرة ضخمة معمرة من أشجار الغابة:
اللطف يُثمر اللطف، والكراهية تولّد كراهية، وعلينا نحن معشر الطيور أن نزيّن الكون، ونضفي عليه المزيد من البهجة والسرور.
سمع ذؤيب تغريد البلبل هذا فتحيّر واستغرب، وثارت ثائرته وتساءل:
لماذا لا نغرّد كالبلابل؟!. ولماذا أصواتنا مفزعة، غير محببة، ويهرب الكثيرون منها عند سماعها، وكأنها نذير شؤم وخطر؟!. وهل نحن أقلّ مرتبة من البلابل حتى نعيش في الجحور، بينما هم يعيشون على أغصان الأشجار، ويطيرون بأجنحتهم الضعيفة والقصيرة بينما نحن معشر الذئاب نمتاز بالقوة والجري السريع ولا نستطيع التحليق ولو مرة واحدة؟!.
سمعت الذئبة تساؤلات صغيرها واستفساراته فاحتارت كيف تجيبه ومن أين تبدأ وهل في جعبتها الأجوبة المقنعة على الأسئلة الصعبة والمحرجة التي طرحها؟
بعد تفكير طويل اهتدت إلى القول: لا عليك يا بني ما نستطيعه نحن تعجز الطيور عنه، وبعض ما يستطيعونه هم نعجز نحن عنه أيضاً.
سلاحهم جناحان ضعيفان ومنقار صغير، وسلاحنا أنياب حادة، ومخالب تُمزق أقسى أنواع اللحوم، لهم رجلان قصيرتان واهيتان، ولنا أربع قوائم قوية متينة، تسابق الريح. يتكاثرون بالبيض، ونتكاثر بالولادة، هم يغرّدون ونحن نعوي، وكما نحن لا نستطيع التغريد فهم أيضاً لا يستطيعون العواء. هوّن عليك يا صغيري ولا تكن حزيناً، لضعفهم ينامون على أغصان الشجر ولقوتنا ننام على الأرض.
أجوبة الأم هدّأت من ثورة ابنها وشعرت أنها أعادت لـه الثقة ببني جنسه، فالذئاب فخورين بأصلهم ولا يجوز لأي منهم أن يشذ أو يطمح إلى تغيير جلده، واقتربت من صغيرها موشوشة:
نحن الذئاب لنا وجه واحد لا نغير أقنعتنا ولا نبدل جلودنا ولا نهادن عدونا، ولا نقاسم أحداً صيدنا أو جحورنا، سلاحنا الناب والمخلب وغريزة الحذر والدهاء في الكرّ والفرّ التي تعلمناها من تجاربنا ودروس حياتنا الصعبة والمعقّدة. نحن ملتزمون بأعرافنا وعاداتنا نتوارثها جيلاً بعد جيل وتنتقل معنا، تحركنا غريزة الجوع وضرورة البقاء على قيد الحياة. عندما نؤمّن طعام يومنا ترفرف علينا السعادة طوال اليوم، أما الإنسان.. فالغني يفتش عن السعادة وهي في متناول يديه، وتحت بصره، والفقير يبحث عن لقمة العيش ويعتبر سعادته في تأمينها. نعشق الأدغال فإن شبعنا لهونا ولعبنا ولم نؤذ حتى أصحاب اللحم اللذيذ.
تساءل الذؤيب مستغرباً: وهل بين البشر جياع؟!.
الذئبة الرمادية اللون قالت في نفسها: هذا سؤال تسهل الإجابة عنه، ثم توجهت إلى الذؤيب وقالت بعد أن قهقهت بصوت عالٍ:
الأرض واسعة وإن اختلفت تضاريسها، وهي غنية بأدغالها وأوكارها وكهوفها، وجحورها، بأنهارها وبحورها وبجبالها الجرداء والخضراء ووديانها العميقة، بعشبها السندسي الندي، وبحيواناتها اللذيذة النكهة والطعم.
ولو اقتنع الإنسان واكتفى بالحصول على قوت يومه لتبخر الفقر عن سطح الأرض ولعاش الجنس البشري أرغد عيشة وأهدأ بالاً، وأحسن حالاً.
سأل الذؤيب ولماذا لا تربيه أمّه على القناعة، فالإنسان ذكي ويستوعب بسرعة؟!.
أجابت الذئبة إنّ أصعب تربية يا بني هي تربية الإنسان، فهذا الأخير يتعلّم في الأسرة والمدرسة ويدرس في الكليات والمعاهد والجامعات ويقرأ الكتب والجرائد والمجلات، ويسمع الأخبار ويشاهد التلفاز. ولو أحصت أسرة من الأسر عدد التنبيهات والتحذيرات والترغيب والترهيب التي توجهها لطفلها حتى يكبر لحصلت على أرقام مذهلة. ذات يوم سمعت أماً تقول لابنها:
هذا ممنوع لا تفعل هذا إياك والقيام بكذا، هذا خطأ تجنّب فعل كذا. أخطأت يا بني لا تقل هذا، لماذا تصرفت بهذا الشكل. أنا لست راضية عن سلوكك. هذا حرام. هذا لا يجوز. سأعاقبك لن أشتري لك كذا وكذا. حتى أنها عاقبته بالضرب وشدّ الأذن. وحرمته من اللعب ومنعته من الخروج من المنزل…الخ.
تصوّر أن هذه التنبيهات والتحذيرات والإرشادات تتكرر على مدار الساعة وفي كل يوم ومع ذلك يرتكب الكثيرون الخطأ ويدافعون عنه وهم يعلمون أنه خطأ.
ثم قالت الذئبة: تُعساء نحن حيوانات الغابة لا ينبهنا ولا ينصحنا ولا يعلّمنا ولا يرشدنا أحد. ومع هذا يصفوننا بالوحشية فماذا نقول عن الذي تعلّم ولم يستفد مما تعلمه!!.

ليست هناك تعليقات: