لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



السبت، 30 ديسمبر 2017

"لقاء مع .. ليث" قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



لقاء مع .. ليث
بقلم : طلال حسن

   سمعتُ حركة داخل الغرفة ، التي أقرأ وأكتب فيها ، وانتبهتُ إلى أنني لم أسمع الباب يُفتح ، نحن في ساعة متأخرة من الليل ، تُرى من يكون ؟
ورفعتُ رأسي إلى الباب ، وعبر نظارتي الطبية السميكة رأيتُه مغلقاً ، يبدو أنني متعب ، وبدأتُ أتوهم أشياء وأشياء ، وقاطع أفكاري المضطربة ، صوت طفل يقول لي : مساء الخير .
وعلى الفور أدرتُ نظري إلى مصدر الصوت ، ورأيت ـ ويا للعجب ـ طفلاً في حدود الخامسة من العمر ، ذا هيئة غريبة ، يقف في منتصف الغرفة ، ويحدق فيّ بعينيه الطفلتين الجميلتين .
داخلني شعور بأني أعرف هذا الطفل ، الذي لا أدري من أين جاء ، ولا كيف دخل غرفتي ، وبدا لي أنني رأيته من قبل ، لكن أين ؟ ومتى ؟ هذا ما لا أعرفه ، وتمنيتُ لو أعرفه .
رفعتُ النظارة الطبية السميكة عن عينيّ ، ووضعتُ القلم جانباً ، وتساءلتُ : من أنت ؟
وبدل أن يردّ عليّ ، قال : ألا تتذكرني ؟
وتساءلتُ ثانية ، وأنا أدقق النظر فيه : هل أعرفك ؟
أجاب : طبعاً .
وحدقتُ فيه صامتاً ، فقال : أنا ليث .
وتساءلتُ ، لكن التساؤل لم يكن موجهاً للطفل بقدر ما كان موجاً لي أنا بالذات : ليث !    
وفتح كفه ، ولاحت فيه علبة ثقاب ، لا أدري من أين أتى بها ، أهو ساحر ؟ ورفعها أمام عينيّ ، كأنه يلوّح إلى أمر ما ، وهو يحدق فيّ .
لم أفهم ما يرمي إليه ، يبدو أن عقلي قد " ثخن " ، وأخرج عود ثقاب من العلبة ، وحكه بجانب العلبة ، فاشتعل ، وارتفع اللهب منه ، فصحتُ به : أطفىء عود الكبريت وإلا أحرقت ..
فقال مبتسماً : ليس هنا كومة قش .
وصمت الطفل ، دون أن يطفىء عود الثقاب ، فصحتُ : ليث ..
قال الطفل : نعم ، بطل قصتك .. ليث وملك الريح .
فقلتُ له : آه كم هي جميلة تلك القصة .
وأطفأ الطفل عود الثقاب المشتعل ، وقال : آه لقد عرفتني أخيراً .
ونهضتُ من مكاني ، واقتربت من الطفل ، وعيناي لا تفارقانه ، ثم قلت : أنتَ لم تكبر ، يا ليث ، لقد مرت أكثر من خمس وثلاثين سنة ، منذ أن نشرتُ تلك القصة ، التي رسمها الفنان الكبير طالب مكي .
وألقى الطفل عود الثقاب المشتعل في المنفضة ، ورفع عينيه الجميلتين إليّ ، وقال : لا تنسَ ، إنني بطل قصة خيالية ، وأبطال القصص لا يكبرون ، إن علاء الدين ، بطل قصة علاء الدين والمصباح السحري ، الموجودة في كتاب ألف ليلة وليلة ، مازال طفلاً .
قفلتُ راجعاً إلى مكاني ، وجلست وراء منضدة الكتابة ، وأعدت النظارة فوق عينيّ ، وقلتُ : أنت محق ، يا ليث ، إن أبطال القصص لا يكبرون ، فمن يكبر ويشيخ هو كاتب تلك القصص وحده ، و ..
وسكتّ ، فقد شعرتُ أن شيئاً ما قد تغير في الغرفة ، نعم ، لقد دفع الباب بغير رفق ، وأطلت زوجتي ، والنعاس يغشى عينيها ، وقالت : هيا ، لقد انتصف الليل ، وأنت تكتب ، لا تنسَ نصيحة الطبيب ، قال لك ، لا تتعب نفسك ، لا تسهر ، لا ..
رفعت نظارتي الطبية السميكة عن عينيّ ، ونهضتُ من مكاني ، وقاطعتها قائلاً : لا تطيلي ، ها أنا قادم .
ومررتُ بها ، متجهاً نحو الباب ، فقالتْ : سمعتُ صوتك ، مع من كنت تتحدث ؟
أجبتها دون أن أتوقف : كنتُ أتحدث م ليث .
وهتفت مذهولة ، وقد تحولت إلى علامة استفهام وتعجب : ليث ! لم يكن أحد معك في الغرفة .
وواصلت طريقي إلى غرفة النوم ، دون أن ألتفت إليها ، من الواضح أنها تظن أنني أهلوس ، إن لم أكن قد جُننتُ تماماً .

ليست هناك تعليقات: